الظهر
12:05
السبت 27 يونيه 2024 م

سقوط الظل على الحائط

   بواسطة : ركبان بن طاهر 2023-07-04

>
(ضيف الله بن جبار-رحمه الله)أحد رموز تأسيس مسيرة الفن التشكيلي السعودي!

مقال {سقوط الظل على الحائط }

../ تعددت المعاني وكثرت الاراء حول المعني الحقيقي للفنون الانسانية ، وفي كل مرة يخرج علينا مصطلح مبتكر واراء جديدة ، وهذا يعود لتشعب المجالات الفنية والابداعية حتى أنها أصبحت وصمة للابداع الثقافي خاصة والمعرفي عامة ، وللاسف أن إسم فنان قد إرتبط في الاذهان وخاصة في المجتمعات المحافظة بنمط خارج عن العادة ، وصُورَت الفنون على أنها كل لهو ولعب في الحياة ...!

إلا أن الفنون في حقيقتها هي اسلوب متعدد الصور شأنه في ذلك شأن كل مجالات الابداع الانساني بل أن الفن يدخل في العمل فيزينهُ ويطوره ويجعل منه صورة جاذبة للنفس ولافتة للذوق ، بل ويتعدى ذلك الى أنه رسالة مؤثرة ، ويبقى المحور الاصلي للحكم على هذا العمل أو ذاك هو المضمون الحقيقي لأي جانب من الجوانب الفنية ، الايجابية منها والسلبية على حد سواء .

وفي حالة الفنان المبدع ضيف الله جبار القرني ، يأخذ الفن شكلا مغايرا للصورة السلبية عن الفن ، وينحى منحناً آخر ، نتجه من خلاله الى رفعة الذوق ونزاهة الهدف ، حيث ندلف عبره الى الاشياء الجميلة والمعاني السامية لجانب مشرق من جوانب هذه الثقافة السامية ... وهو هنا وبما اتاه الله من البراعة والحس المرهف ، ومن خلال فطرة سليمة ، يترجم لنا العالم الروحي للفن ويدخل الى مشاعرنا عبر الارتباط الديني والهوية التقليدية ..

.. لهذا السبب فقد تركتُ القراءة النقدية لاعمال ضيف الله وتجنبت الوصف الفني أو الجانب الثقافي لهذا الابداع ، وآثرت أن اقرأهُ بصورة مغايرة ، لماهية علاقتنا مشاعرياً بهذا النوع من الفنون خصيصاً ... وذلك بعد أن رجعت للتفسير الحقيقي لمعنى الفن ، ووجدت أن أقرب وصف له أو إسقاط عليه ، ما أستنبطته من كتب التفسير للقران الكريم ، في قوله تعالى ( ذواتا أفنان )... الى أن خلصت الى مايناسب اعمال فارسنا هنا بأنه ( سقوط ظل الاغصان على الحائط ) .... فكيف استثمر هذا السقوط وطوع ذلك المشهد ، وصنع من تلك الصورة التي لايكاد يخلو منها شجر ولا مدر على كوكب الارض حتى أصبحت شيئاً عادياً وصورة مألوفه لايُلتفت إليها أو يُلقى لها بالاً، ولو أنها كثيرة الاستعمال أو متعددة الاغراض ... ولكن في حالة بن جبار نلمسُ وضعا خاص وأمرا مبتدعا ولا يكون ذلك إلا لمن آتاه الله ملكة التفكر وروح الإلهام .حتى إستمثر هذه الظلال الوارفة والايحاء التصويري في عملية الانعكاس المعنوي للعديد من جوانب الحياة المادية والمعنوية ، فيسقطها على ألواح العلم وحيطان التأمل ، مما يُنشئ من خلالهِ كماً هائلا من الرسائل المختلفه كلٌ بحسب رؤيته للاشياء وقرائته للمناظر ، وترجمته للمعاني ، زاده تألقاً مستوى فهمه وادراكه لفحوى الرسائل وطرق الاتصال مابين المشاعر وما يختلجها من مؤثرات...!

ونجد أن في أعمال هذا المبدع ( مايربط الانسان بربه عبر بوابة تفتق الاذهان وإعمال الافكار في مخلوقات الخالق ) ما يجعل المتأمل لهذا الجانب من الفن يجول بخياله في { ملكوت } الله سبحانه وتعالى ، بل أن الارواح تعانق السماء من كرم الله ، وتلتصق بالطين خضوعاً وإجلالاً لهيبة المهيمن الجبار، وكل ذلك عبر الحرف الهجائي للعرب واللون الايحائي للمشاعر ، ولايمكن التوفيق بين ذلك إلا لريشة فنان أو قلم مبدع .

إن الناظر أو القارئ للوحات فارسنا وأعماله سواء في طريقة الرسم أو شكل الحرف وصبغة الالوان ، وكيف انه يطوع ذلك الى عالم خاص يعيشه المتأمل بمشاعره وبصره وفكره بل ويسرح بخياله الى اعماق المبهمات وتفاصيل المجملات ،، وكأنه يستمع لرسالة دعوية مؤثرة أو ينظر الى عبرة ربانية ماثلة .،، ويخرج من ذلك وقد إستوحى افكاراً جديدة وإكتشف معان مجهولة ، بل ولامس بروحه الكنه الحقيقي للحياة ، والمعني الخفي لعظمة ملكوت الله .

رحم الله الفقيد ضيف الله بن جبار ، وجعل الله هذا الارث العظيم والتركة الثمينة في موازين حسناته يوم تنشر الصحائف وتعرض الاعمال .وان يجمعنا به وباحبتنا جميعاً في جنات ( ... ذواتا أفنان ).

وأخيراً - لو قدر له ان يعيش الى هذا العصر لربما كان له شأن عظيم ، ومنزل رفيع ، ولكن الله سبحانه قدر وما شاء فعل ، فله الحمد من قبل ومن بعد ......... اوران

_\ ونعيد هنا نشر هذا المقال، بعد أن نُشر قبل عشرة أعوام. وذلك من باب الوفاء لبعض رموز القبيلة الذين سطروا اعمالا بناءة في سجل تاريخ الوطن المشرف.

/_ شكر خاص، للجندي المجهول(جمال بن صالح)، وللأبن (فيصل آل طاهر) الذي أذكى فينا جذوة الذكريات العتيقة.