حمار حرموش ، وأرنـوب جيل الفشفاش
كان الجد ذو الثمانين حولاً ، في نزهة مع عائلته الممتدة ، وكان هو يتربع على هرم وقارها ويتكيء على سنون دهرها ، بينما يقبع في قاع السلم العائلي حفيده ذي الحولين ونيف ، ومابينهما جحفلٌ من افراد العائلة ( ذكوراً وإناثاً ) كلٌ حسب موقعة على درجات الهرم العائلي .
... فلما أستووا على مركبهم ذي المواصفات اليابانية الفاخرة ، وأستوت الطريق تحت اطاراته ، وغربت عنهم ملامح المدينة وأشرقت تجاه نواصيهم شمس البراري ، أراد الجد العتيق أن يبدأ هذه الرحلة المخملية ، بسرد شيء من الذكريات وتلاوة بعض الاخبار والمواقف والتي أختزلتها ذاكرته عبر هذا الدهر الطويل ، وقد أطبق ( السأم ) بفكيه على ناصيته ، بعد أن ضرب ( الهرم ) اطنابه في كل مفصل عظم وعبر كل شريان دم .
وبينما هو في جلد للملمة شعث الذاكرة ، وفي نصب لإسترجاع دولاب الزمن ، عسى أن يمسك بأول خيط لطرف حديث أو يتشبث بأول فكرة تقوده لسرد بعض القصص القديمة التي يحلو للجميع وخاصة الاحفاد أن يتخذوا منها ملهاة للتسلية ، بين الحين والاخر .!
كان إبنه ذو الاعوام الخمسين يقود مركبهم ، وقد أصدر الامر للجميع بإلتزام الهدوء واسترعاء الانتباه ، لحكاوي الجد التي سيقطعون بها رحلتهم ويشنفون بها أسماعهم ، وإن كان هذا الجد العجوز أراد هذه المرة أن تكون دروساً وعبر ، لا مجرد سوالف درب أو تمشية حال.!
لذلك حاول أن ينتقل بهذه الاسرة(الممتدة) من جو حديقة المنزل العصري الى معركة الحياة وحرب المعيشة .
وبينما الجميع في هذا الجو المفعم بالود العائلي والصفاء الروحي ، قفز ذلك الحفيد من حظن جده ، وأطل برأسه من نافذة السيارة وهو يشد بلحية جده لكي يلفت انتباهه تجاه شيئاً ما على ناصية الطريق ، قائلاً بلهجته الطفولية : أنظر ياجدي أنظر هذا ( أرنوب ...!) فنظر الجد خارجاً فإذا به يشاهد ( حماراً ) يمشي على جانب الطريق .
وعندها رد الجد طرفهُ حسيراً الى ابنه وهو يتنهد ، تكاد تخنقه العبرة ، قائـلاً : الله يرحم حرموش .!.
....../ حينها أطبق الصمت خلف الزجاج المغلق ، وحالهم مابين منذهل لهذا الموقف المُستدعىٰ من العصور الغابرة ، وبين خجل لهذا التحول الثقافي والتربوي الذي أحدثته الاجهزة اللوحية وأخواتها في في عقول الجيل.
على عهد طفولتي وبداية صباي، كان كبار السن ينعتوننا بـ جيل ( الصلصة ) كناية عن الرفاهية أو قلة الدبرة، أما جيل اليوم فلا يعرفون ماهي الصلصة، إلا عندما يذهبون في رحلات مدرسية الى ( متحف السبعاني التراثي) حيث تتربع على أحد رفوف الزمن الغابر المغبّر.
لذلك/ لـم اجد وصفاً يلائم وضع اطفالنا او شبابنا اليوم، فأكتفى بالدعاء لهم بالصلاح والفلاح.
** وفاء_
... لم ألحق بزمن حرموش ، أو لم يحدث ان شاهدته رحمه الله، إلا أن القصص في أثره كثيرة ، ومنها أنه اذا نزل بدار قومٍ ، لا يرضى أن يأكل او يشرب حتى يتم إطعام حماره وسقايته.
...... اوران