الظهر
12:05
السبت 27 يونيه 2024 م

أبواب التاريخ الموُصدة

   بواسطة : محمد بن مصلح ( أبو مشاري ) 2023-06-12

 

كتبه : أبو مشاري

 

كثيراً ما يَتشبّثُ البعضُ منا بحِلَقِ أبوابِ الماضي أكثر مما يفعلونه في حاضرِهم أو ما يخططون له في مستقبلهم ..

أُدركُ أن التاريخَ إن كان مجيداً فهو متكأٌ يُستأنسُ به للتحفيز أو على الأقل للمحافظة على مستوى ما كان .

 أما إن كان ذلك التاريخُ قاتماً وهزيلاً فالأولى هو عدم إستحضارِه في كل حينٍ حتى لا يُثبّطُ العزائمَ ويَفِتّ في الأعضاد .

والجديرُ بنا هو أن لا نقف كثيراً على  الماضي فنجعل نتفاخرُ بأفعالِ أجدادِنا أو نظل نتباكى على الأطلال ، فما فاتَ ماتَ ولم يبقَ منه إلا ديننا الإسلامي الحنيف الذي سوف يدومُ حتى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها ، لأن زماننا هذا لا ينتظر من أهله أن يجعلوا من أنفسهم متسكّعين على أبوابِ التاريخِ يستجدون جُملةً من قولٍ أو صُنعاً من أفعالِ السابقين ، فأولئك قالوا وصنعوا لكنهم مضوا حين جاء أجلهم عليهم شآبيب الرحمة والغفران ..

ومقولةُ أن من لا ماضٍ له فلا حاضر له هي عبارةٌ يُسيئ الكثيرون إستخدامها ، وهي ليست أساساً لإبداعٍ ولا منطلقاً لقوة إلا كما أشرنا إما لإستئناسٍ محفزٍ أو أخذٍ للعِبَر من خَبَرِ من كان قبلنا .

وفي الواقع كم من إنسانٍ أثقلَ عليه تاريخُه ونسبُه بحمله لذلك الماضي آناءَ ليلِهِ وأطراف نهارِه ،  فأهملَ حاضرَه وأصبح عضواً خاملاً في مجتمعه حين جعل يستند  على أمجاد أبيه ، أو أفعال جده التاسع عشر ، أو غزَوات قبيلته يومَ أن غزَت ..

 

كُن ابن من شئت واكتسب أدباً ..

يُغنيك محمودُهُ عن النسبِ

إن الفتى من يقولُ ها أنا ذا ..

ليس الفتى من يقول كان أبي 

 

فلا ينفعُك مجدٌ لم يكن لك يدٌ فيه ، ولا يرفعُك نسبٌ لست من مقتفيه ، ولا يُثريك غنىً لست من مترفيه ، فكم من نسيبٍ فشل في حاضره ، وفي المقابل كم من رمزٍ لم يكن له نسبٌ ذو صيت ، وكم تاجرٍ لم يُعرَف آباؤه وأجدادُه بالثراء ، وكم من عالمٍ برز من أسرةٍ لم يكن لها من العلم نصيب ، لكنهم حين نظروا جميعُهم للأمام ولم يستديروا للخلف صنعوا بأيديهم فنالوا وسادوا .

 

لعمرُكَ ما الإنسانُ إلا بدينهِ ..

فلا تتركْ التقوى اتكالاً على النسب 

فقد رفعَ الإسلامُ سلمانَ فارسٍ ..

وقد وضَع الشُركَ النسيبَ أبا لهب 

 

إننا في هذه المرحلة ( مرحلة الرؤية المباركة ) نحتاجُ العملَ الحقيقيَ والجهدَ العاليَ في كل مجالٍ تعليميٍ وعمليٍ وأخلاقي وغيرِ ذلك من كل إبداعات الحياة ، وأن تكون نظرتُنا منصبّةً للأمام لكي نساهمَ جميعُنا في بناءِ وطنِنا الغالي ونسابق به الأممَ في التقدمِ والقوة ، وبذلك نستطيع أن نماري بما هو كائنٌ فينا وليس ما كان .

 

دمتم متفائلين