الفجر
4:00
السبت 27 يونيه 2024 م

عيدنا في الماضي

   بواسطة : عايض بن سعيد 2023-06-09

بقلم الكاتب : محمد بن مصلح القرني


تحيةً لكم أحبتي الكرام ..
كنت بعد صلاة التراويح الليلة أكمل ما فاتني من طعام الإفطار حيث تعودت في الإفطار أن لا أفاجئ معدتي بكثير طعامٍ وأن أستدرك بعد التراويح لأكون في مأمنٍ من الأوخاز ..
ثم تطرّقت ومن أهنأ بوجودهم معي من الوالد والأهل إلى إحتمالية العيد هل سوف يكون يوم الجمعة أم يوم السبت ، ثم تشعّب الحديث عن جماليات العيد في الديرة أيام الطفولة وما نشعر بفقده من الفرق في المتعة بالعيد في الوقت الحاضر عما مضى .
فقلت لعل هذه وجبة سأتناولها معكم في منتدانا الموقر ، فأتيت على جانبٍ من البيت لأسطّر على شاشة جوالي ما تسعفني به الذاكرة بعد عون الله عن أعيادنا أيام الطفولة .
أستعدت شريط الماضي وتجوّلت بذاكرتي في تلك الأيام الخوالي التي كنا ننتظرها منذ بداية رمضان لنستمتع بالعيد .
فيالها من سعادة كانت تحفّنا عندما يبشرنا آباؤنا بأنهم سوف يعمّدون خيّاط القرية لينسج ثياباً لنا نكتسي بها يوم العيد ويشترون لنا ( غتراً وطواقي ) جديدة لنظهر بها يوم العيد فتكون فرحةً لأولنا وآخرنا .
نذهب للخياط ويقتاس أحجامنا الضئيلة ليبدأ في حياكة الثياب ونحن نرقب يوماً بعد يومٍ موعد حصولنا عليها .
أما أهلونا فهم يهتمون أكثر بعمل بعض الصيانات البدائية للبيوت المبنية من الحجر ومن الداخل مغطاة بطبقة من الطين لسد فجوات الحصى وعمل ما يشبه العوازل لتقيهم قرس البرد .
في أواخر رمضان تبدأ النساء بخضب الحناء وحتى كبار السن من الرجال يعمدون إلى خضب لحاهم وأقدامهم إستعداداً لمناسبة العيد التي أصبحت على الأبواب .
أما آخر يومّ من رمضان وليلة العيد فكنا نرى العيد وكأنه بيننا فترتفع وتيرة الإستعدادات والفرح حتى أنني لازلت أذكر بيت شِعرٍ هزَلي كان أهلنا يداعبوننا به في كل ليلة عيد فيقولون بإبتساماتٍ عريضة :

العيد بكرة والضحى بعدوه ..
ومّا امصغيّر نربطوه بذنوه

ومع أن في هذه الأهزوجة نوعاً من الريبة لدينا خشية مآل آذننا صبيحة الغد إلا أنها كانت ممزوجة بالتفاؤل بالعيد بسلام ، لأن تكرار هذه الأهزوجة كل عام أفقدها هيبتها .

نستيقظ صبيحة العيد على صلاة الفجر ثم نلتبس كل جديد ونلتقي بجيراننا عند نقطة الإنطلاق برفقة آبائنا الذين كانوا قد كحّلوا عيونهم ببرادة الأثمد لتشكل مع تخضيب الأمس أجمل حكاية .
نتّجه زرافا لمصلى العيد الذي كان عبارة عن مشهدٍ محاطٍ بسورٍ لا يتعدى إرتفاعه المتر الواحد ، وما أجمل حين نقترب من المصلى ونبدأ نسمع من سبقنا من كبار السن وغيرهم وهم يأخذون أماكنهم في الصفوف الأولى وينقسمون لقسمين يميناً ويساراً في تبادل الصوت ويرددون بلحنٍ مميز لا زال صداه في ذاكرتي :

الله أكبر ..
الله أكبر ..
الله أكبر ..
لا إله إلا الله .
الله أكبر ..
الله أكبر ..
ولله الحمد

نصلي ثم نعود إلى بيوتنا ويأخذ كل واحد منا ( خريطة ) ما يشبه الكيس من الكتان أشبه في حجمها بجيب الثوب الجانبي ، ونبدأ نحن الأطفال نلف على البيوت نعايد أهلها وكان أغلب طعام العيد حينئذٍ ( العيش ) يصب في الصحاف ومع بعضه سمناً والبعض الأقل سمنا وعسلا ..
وما أجمل حين نجد أن النادر من البيوت صنعوا أرزاً حيث كنا نفضّله على العيش نحن الصغار .
نتناول لقمة أو لقمتين فقط لأنه لازال أمامنا الكثير من البيوت سنزورها ، ثم نقول بصوتٍ واحد ( عاد من ذا عيده ) فترد الأم في هذا البيت ( عادنا وانتوا ) ثم تعطي كل واحد منا حفنة من ( الطبيخة ) والتي هي عبارة عن حب مطبوخ حتى ينضج ويلين وتقوم مقام الحلاوة والشوكلاتة حالياً .
وبعد إكمال المرور على البيوت ويتعايدون الكبار نذهب كباراً وصغاراً لمقر حفل العيد المتفق على مكانه مسبقاً بين الآباء .
يبدأ الجماعة بالعرضة فرحاً بالعيد وإحياءً له ، وأتذكر هنا ( رزفة ) للعم محمد بن سعيد بن خصفان ( بن مشيح ) رحمه الله وهو يقف أمام العراضة محتزماً بما يسمى ( الكيس ) ويرفع طرَفي الكيس ويدلّيهما من على أكتافه ويتكئ على عصاة المشهورة التي تشبه رقم ظ¦ ويقول :

الله يعيد العيد ويقوّي الاسلام
ويعيد من يمشي على الحق والجدا

ثم يتبادل المحاورة مع إبن عمته الشاعر الشيخ سعد بن عاطف رحمه الله ويفرح الجميع كما شرع لهم الدين أن يفرحوا .

فُقْت من رحلتي الماضاوية فوجدت نفسي أعيش في مرحلةٍ من الأعياد التي لا أجد فيها مذاقاً إلا المذاق الروحاني التعبدي وهذا هو الأهم ، لكنها تفتقد للفرح والمتعة الظاهرية التي كتبت عن جمالها في الماضي .
هنا تساءلت هل تغير إهتمامنا بالعيد عن السابق في ظل زيادة الترف ونسبة الرفاهية خلال العام ؟
أم أنني ورفاق الصبا كنا فقط نرى العيد هو مصدر فرحتنا الوحيدة فعلَق في أذهاننا ؟
أم أننا كنا جديدين على الحياة حينئذٍ ولم نتعرف على مواطن الفرح فنفرح بأي شيء ؟
ذلك مالم أجد له إجابة .

دمتم في سعادة وفرحٍ وسرور .

أبو مشاري