الفجر
4:00
السبت 27 يونيه 2024 م

تَضاؤلُ الودّ

   بواسطة : محمد بن مصلح ( أبو مشاري ) 2023-11-19

كتَبَه : أبو مشاري 

......................

في الجيلِ الماضي الذي سَبَقَ جيلَنا مباشرةً كُنا نلمسُ فيه معانيَ الوفاءِ بشكلٍ ملحوظٍ بين الرجلِ وزوجتِه رغمَ متاعبِ الحياةِ وقِلّةِ ذاتِ اليدِ وإنعدامِ الملذات ، إلا أن التعاملَ والتعاونَ بين الزوجين كان يتسمُ بصِبغةِ الودِّ والوفاءِ والفرحِ لأحدِهما والألمِ لألمِ رفيقِ الدرب ، والحُزنِ لفُقد الشريك ، وإكرامِ كلِّ منهما لأهلِ الآخر .

يُحدّثني أحدُ الأحبةِ يقول : كنت يوماً من الأيام أجلسُ في صالةِ الإنتظارِ بأحدِ المرافقِ في محافظةِ بلقرن ، فشدّني كبيران في السن كانا بجانبي وهما يتجاذبان أطرافَ الحديثِ حولَ مراحلِ ومحطاتِ حياتيهما ، ودعاني فُضولي لإستراقِ السمعِ بعمقٍ لأستمتعَ بحديثِهما فأنا ممن يألفون بل يعشقون جلساتِ كبارِ السنِّ والإستئناسِ بحديثِهم والتزوّدِ بعُصَاراتِ خبراتِهم .. سألَ أحدُهما الآخرَ قائلاً :

( بشّرني .. مَذَا با تعبا ناخوك بعد شريفة الله يرحمها ؟ ) فتنهّدَ الآخر وقال بعفويةٍ جميلةٍ ووفاءٍ روحيِّ عظيم : ( آني مثلما رَيت ، خُذت ثنتين خلف ماتن شريفة ، الله يرحمها ويغمِّد روحها باليَنَّة ، غير آي شريفة ما مثلها طولا .. لا إله إلا الله يا شريفة ، والله لو أعرِّس إيلين أبرُك على رُكُبي ما عِتّ ألقى مثل شريفة ) .

يقول لي هذا المستمع : فجاشَت وأختلَجَت مشاعري ورَقَّ قلبي بين الإحساسِ بألمِ هذا المُسِن وبين جمالِ وفائِهِ لزوجتِه الراحلةِ وعشقِه لها ، تذكّرتُ هذا الموقفَ وغيرَه من صُوَرِ الوفاءِ وأنا أسمعُ من بعضِ الأحبةِ وأتابعُ أيضاً من كثيرِ الحواراتِ في وسائلِ التواصلِ الإجتماعي وخاصةً بُثوثِ التيك توك المباشرةِ وما يدورُ فيها من تشكّي بعضِ الأزواجٍ وتذمُّر بعضِ الزوجاتِ من تنامي ظاهرةِ البُرودِ العاطفي والجَفاءِ الأخلاقي بين ( بعض ) الأزواج ، فأجدُ البعضَ يطرحون مسائلَ مؤلمةً فحواها أن بعضَ الزوجات عندما يتحدّثنَ مع الرجالِ كالأطباءِ والعاملين في المستشفياتِ أو في المرافقِ الأخرى أو البائعين في المولاتِ أو المطاعمِ والكوفيهاتِ تكون المرأة في غايةِ الرِقّة والليونة في الحديث ، وإذا عادت إلى البيتِ فلا يجدُ منها زوجُها إلا قَتامةَ المُحيّا وجفافَ العاطفةِ والفوَرانَ لأتفهِ الأسباب . . وفي المقابلِ فالكثيرُ من النساءِ يَقلِبنَ للرجالِ ظَهرَ المِجَنّ ويتهمنَهم بذلك ، فتقولَ إحداهُن زوجي في البيت تثورُ ثائرتُه علينا بلا سبب ، ودائماً مُقفَهِرُّ الوجه ، بَذيءُ اللسان ، شحيحُ اليد ، يستأسدُ علينا ، وإذا تحدثَ مع أيِّ أُنثى في المستشفياتِ أو المولاتِ أو أي مكانٍ فيه نساءٌ عاملاتٌ أنقلبَ حمَلاً وديعاً لطيفَ الكلامِ جميلَ المعشر ، فأنظرُ له وأقولُ في نفسي أين هذه اللطافةُ والكرمُ منّا في البيت ؟

 أسدٌ عليَّ وفي الخُطوبِ نعامةٌ ..

رَبداءُ تَجفُلُ من صَفيرِ الصافرِ

هَلاّ برَزتَ إلى ( غزالةَ ) في الوغى ..

بل كان قلبُك في جناحَي طائرِ

إن أجملَ وأسعدَ ما يكون عليه الزوجُ والزوجةُ هو بَثُّ الودُّ والوِئام ، وأن يَعِمَّ الفضلُ بينهما ، فهما ركيزتا الأُسرة ، ولنعلمَ أن الأبناءَ والبناتِ لديهم حاسّةٌ قويةٌ في متابعةِ وملاحظةِ ما يدورُ بين والديهم ، فإن زرعوا الودَّ حصَده الأبناءُ وإن أهمَلوه فسوف يتضاءلُ الودُّ شيئاً فشيئاً حتى لا قدّر الله لن يبقى منه إلا أسمُه .

دمتم بِودّ .